فصل: ذِكْرُ مَا تَجْزِي الْخُطْبَةُ مِنَ الْجُمُعَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف



.جِمَاعُ أَبْوَابِ الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَمَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ فِي ذَلِكَ وَمَا أُبِيحَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَمَا نُهُوا عَنْهُ:

.ذِكْرُ الْأَذَانِ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَمَرَ اللهُ بِالسَّعْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ إِذَا نُودِيَ بِهِ وَذِكْرُ مَنْ أَحْدَثَ الْأَذَانَ الَّذِي يُؤَذَّنُ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ:

1790- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ النِّدَاءَ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فِي زَمَانِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي زَمَانِ عُمَرَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ، وَإِذَا قَامَتِ الصَّلَاةُ، حَتَّى كَانَ زَمَنُ عُثْمَانَ، فَكَثُرَ النَّاسُ؛ فَزَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ، فَثَبَتَ حَتَّى السَّاعَةِ. وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ: وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِقَوْلِهِ: وَإِذَا قَامَتِ الصَّلَاةُ، أَرَادَ بِالنِّدَاءِ الثَّانِي الْإِقَامَةَ، وَقَدْ يُقَالُ لِلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَذَانَانِ، أَلَمْ تَسْمَعِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ». وَقَالَ اللهُ: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء: 11] الْآيَةَ، وَإِنَّمَا هُوَ أَبٌ وَأُمٌّ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ: الْأَذَانُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ إِلَيَّ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: إِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أُذِّنَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَرَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ بِالنِّدَاءِ الثَّالِثِ فِي الْعَدَدِ، وَهُوَ الْأَوَّلُ الَّذِي بَدَأَ بِهِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَلَمْ يَكْرَهْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلِمْنَاهُ، ثُمَّ مَضَتِ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا.

.ذِكْرُ مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ إِلَى الْجُمُعَةِ:

1791- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا فُضَيْلٌ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ، وَبِحَقِّ مَمْشَائِيَ هَذَا، لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا، وَلَا رِيَاءً أَوْ سُمْعَةً، خَرَجْتُ اتِّقَاءَ سَخَطِكَ، وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُبْعِدَنِي مِنَ النَّارِ، وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، إِلَّا وَكَّلَ اللهُ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ، وَأَقْبَلَ اللهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ» وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا جِئْتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقِفْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، وَقُلِ: اللهُمَّ اجْعَلْنِي الْيَوْمَ مِنْ أَوْجَهِ مَنْ تَوَجَّهِ إِلَيْكَ، وَأَقْرَبِ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْكَ، وَأَنْجَحِ مَنْ دَعَاكَ وَطَلَبَ إِلَيْكَ.

.ذِكْرُ اعْتِمَادِ الْإِمَامِ عَلَى الْقَوْسِ أَوِ الْعِصِيِّ فِي الْخُطْبَةِ:

1792- حَدَّثَنَا أَبُو غَانِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: ثنا شِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ، قَالَ: ثنا سَعِيدُ بْنُ زُرَيْقٍ الطَّائِفِيُّ، قَالَ: جَلَسْتُ إِلَى رَجُلٍ لَهُ صُحْبَةٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُقَالُ لَهُ الْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ الْكُلَفِيُّ، قَالَ: قَدِمْنَا إِلَى رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابِعَ سَبْعَةٍ نَشْهَدُ مَعَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًى أَوْ قَوْسٍ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، كَلِمَاتٍ خَفِيفَاتٍ طَيِّبَاتٍ مُبَارَكَاتٍ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ لَنْ تُطِيقُوا، وَلَنْ تَفْعَلُوا كَمَا أُمِرْتُمْ، وَلَكِنْ سَدِّدُوا وَأَبْشِرُوا.

.ذِكْرُ عَدَدِ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْجِلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَالْخُطْبَةِ قَائِمًا:

قَالَ اللهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] الْآيَةَ.
1793- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَحْوَصِ، قَالَ: ثنا سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كَانَ لِرَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَتَانِ يَجْلِسُ بَيْنَهُمَا، وَيَقْرَأُ الْقُرْآنِ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ.
1794- حَدَّثَنَا يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَا: ثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: ثنا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، قَالَ: ثنا عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ الْخُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ، وَكَانَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ قَائِمًا، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ، فَفِي قَوْلِهِ: يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْطُبْ فِي حَالِ الْقُعُودِ بَيْنَهُمَا وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا الْبَابِ: فَكَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ: مَا جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ حَتَّى مَاتَ، مَا كَانَ يَخْطُبُ إِلَّا قَائِمًا، قِيلَ لِعَطَاءٍ: مَنْ أَوَّلُ مَنْ جَعَلَ فِي الْخُطْبَةِ جُلُوسًا؟ قَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي آخِرِ زَمَانِهِ، حِينَ كَبِرَ، وَأَخَذَتْهُ رِعْدَةٌ، فَكَانَ يَجْلِسُ هُنَيْهَةً، ثُمَّ يَقُومُ، وَرُوِيَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أُمِّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، فَقَالَ: تَخْطُبُ قَاعِدًا وَاللهُ يَقُولُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] الْآيَةَ.
1795- حَدَّثُونَا عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أُمِّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا، قَالَ: فَقَالَ: أَتَخْطُبُ قَاعِدًا وَاللهُ يَقُولُ: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]. وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَيُؤَذِّنُ لَهُ ابْنُ التَّيَّاحِ وَحْدَهُ، فَإِذَا فَرَغَ قَامَ الْمُغِيرَةُ فَخَطَبَ قَائِمًا، ثُمَّ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَنْزِلَ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَالَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ مَا يَفْعَلُهُ الْأَئِمَّةُ، وَهُوَ جُلُوسُ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوَّلَ مَا يَرْقِي إِلَيْهِ، وَيُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ، فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الْأَذَانِ قَامَ الْإِمَامُ فَخَطَبَ خُطْبَةً، ثُمَّ جَلَسَ وَهُوَ فِي حَالِ جُلُوسِهِ غَيْرُ خَاطِبٍ وَلَا يَتَكَلَّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ يَنْزِلُ عِنْدَ فَرَاغِهِ.

.ذِكْرُ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَنْ صَلَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ أَوْ خَطَبَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُدْرِكِ الْخُطْبَةَ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْجُمُعَةِ تُصَلَّى وَلَمْ يُخْطَبْ لَهَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجْزِيهُمْ جُمُعَتُهُمْ خَطَبَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَخْطُبْ، هَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَعَلَّ مِنْ حُجَّةِ قَائِلِ هَذَا الْقَوْلِ حَدِيثَ عُمَرَ: صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِذَا لَمْ يَخْطُبِ الْإِمَامُ صَلَّى أَرْبَعًا، كَذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَبِهِ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَيَعْقُوبُ، وَمُحَمَّدٌ. وَرَوَيْنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَتِ الْجُمُعَةُ أَرْبَعًا، فَجُعِلَتِ الْخُطْبَةُ مَكَانَ الرَّكْعَتَيْنِ.

.ذِكْرُ اسْتِحْبَابِ تَقْصِيرِ الْخُطْبَةِ وَتَرْكِ تَطْوِيلِهَا:

1796- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ثنا مُسَدَّدٌ، قَالَ: ثنا أَبُو الْأَسْوَدِ، قَالَ: ثنا سِمَاكٌ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا.
1797- حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، قَالَ: ثنا سَعْدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «طُولُ الصَّلَاةِ وَقِصَرُ الْخُطْبَةِ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَقَصِّرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا»

.ذكْرُ صِفَةِ خُطْبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَدْئِهِ فِيهَا بِحَمْدِ اللهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ:

1798- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: ثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: خُطْبَةُ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: يَحْمَدُ اللهَ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ، ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ، كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ، يَقُولُ: صَبَّحَكُمْ أَوْ مَسَّاكُمْ، ثُمَّ يَقُولُ: «بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ». وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ، ثُمَّ يَقُولُ: «إِنَّ أَفْضَلَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضِيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ».

.ذِكْرُ مَا تَجْزِي الْخُطْبَةُ مِنَ الْجُمُعَةِ:

اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا تَجْزِي مِنَ الْخُطْبَةِ لِلْجُمُعَةِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَجْزِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ، رُوِّينَا عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَكَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَقُولُ: مَا جَلَسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِنْبَرٍ قَطُّ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ خُطْبَةً تُجْزِي مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: يَجْزِي مَا يَكُونُ كَلَامًا مُجْتَمِعًا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ: إِحْدَاهُمَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ إِنْ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً وَصَلِّي الْجُمُعَةَ، عَادَ فَخَطَبَ ثَانِيَةً، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى يَذْهَبَ الْوَقْتُ أَعَادَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا. وَقَالَ: فَإِنْ جَعَلَهَا خُطْبَتَيْنِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ، أَعَادَ خُطْبَتَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَلَّى أَرْبَعًا، وَأَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ خُطْبَةٍ مِنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَنْ يَحْمَدَ اللهَ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُوصِي بِتَقْوَى اللهِ، وَيَقْرَأُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فِي الْأُولَى، وَيَحْمَدُ اللهَ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُوصِي بِتَقْوَى اللهِ وَيَدْعُو فِي الْآخِرَةِ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ قَوْلُ النُّعْمَانِ: هُوَ أَنَّ الْإِمَامَ إِنْ خَطَبَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِتَسْبِيحَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَمَّا مَا قَالَ النُّعْمَانُ فَلَا مَعْنَى لَهُ، وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إِلَيْهِ، وَغَيْرُ مَعْرُوفٍ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِاللُّغَةِ بِأَنْ يُقَالَ لِمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللهِ قَدْ خَطَبَ، وَإِذَا كَانَ الْمَقُولُ هَذَا سَبِيلُهُ، فَلَا مَعْنَى لِلِاشْتِغَالِ بِهِ، وَأَمَّا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَلَسْتُ أَجِدُ دَلَالَةً تُوجِبُ مَا قَالَ، وَقَدْ عَارِضَ الشَّافِعِيُّ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ: يُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ: مِنْ أَيْنَ أَوْجَبْتَ الْجِلْسَةَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فَرْضًا؟ أَبَطَلَتِ الْجُمُعَةُ بِتَرْكِهَا وَقَدْ أَتَى بِالْجُمُعَةِ وَالْخُطْبَتَيْنِ، وَلَيْسَتِ الْجِلْسَةُ مِنَ الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةِ فَرْضُهَا رَكْعَتَانِ، كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ، وَالْخُطْبَةُ مَعْرُوفَةٌ، وَالْجِلْسَةُ غَيْرُ هَذَا، وَلَوْ كَانَتِ الْجِلْسَةُ وَاجِبَةٌ لَمْ يُجِزْ أَنْ تَبْطُلَ الْجُمُعَةُ بِتَرْكِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ هَذَا، فَإِنِ اعْتَلَّ بِجُلُوسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ، فَالْفِعْلُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ لَا يُوجِبُ فَرْضًا، وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ فَرْضٌ لَمْ يَدُلَّ عَلَى إِبْطَالِ الْجُمُعَةِ، وَيُقَالُ لَهُ: وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْجِلْسَةِ الْأُولَى وَالْجِلْسَةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ؟ فَإِنِ اعْتَلَّ بِأَنَّ الْجِلْسَةَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَذَلِكَ الْجِلْسَةُ الْأُولَى مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ كَلَامًا تَرَكْتُ ذِكْرَهُ هاهنا كَرَاهِيَةَ التَّطْوِيلِ.

.ذِكْرُ سَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا اسْتَقْبَلَ النَّاس:

1799- حَدَّثَنَا عَلَّانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ نَجْدَةَ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَنَا مِنْ مِنْبَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَ مِنْبَرِهِ مِنَ الْجُلُوسِ ثُمَّ يَصْعَدُ، فَإِذَا اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ سَلَّمَ ثُمَّ قَعَدَ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا صَعِدَ ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامَ عَلَى النَّاسِ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ.
1800- حَدَّثُونَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ نَشِيطٍ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا قَامَ عَلَيْهِ سَلَّمَ ثُمَّ جَلَسَ.

.ذِكْرُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الْخُطْبَةِ:

1801- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا قَبِيصَةُ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ، يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ، وَيَقْرَأُ آيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا، وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا.
1802- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ، قَالَ: ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، عَنْ يَعْلَى، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} [الزخرف: 77] الْآيَةَ.

.ذِكْرُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ:

1803- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثنا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: ثنا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنِ ابْنَةِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ، قَالَتْ: لَقَدْ حَفِظْتُ مِنْ فِي رَسُول اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ق} وَهُوَ يَقْرَؤُهَا عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْجُمَعِ. وَكَانَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ بِآيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: إِنْ قَرَأَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ تَرَكَ فَلَا حَرَجَ. وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: لَا تُجْزِي خُطْبَةٌ إِلَّا أَنْ يُقْرَأَ فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الْأُولَى.